الثلاثاء، 12 مارس 2013

الزغول: تجربتي مع الموت قديمة

الرأي/ إبراهيم السواعير 


هذه مماحكات أكثر منها أسئلة؛ أحببنا فيها أن نقف على مستخلصٍ ما.. عند الشاعر سلطان الزغول؛ وله في الشعر تجربة وهدف.

الغيمة والتراب!.. هل يشيانِ بكلّ هذا الذي يصير؟!.. أم هما محض ذاتيّةٍ لا تنكشف على جوار؟!
الغيمة محبة.. شريان حياة.. بياض.. تقرأ فيها شغف الروح للماء.. تتربص بها لتقطفها لكنها تعلن (الحرد) عن النزول، وتبقى في الأعالي كذبة جميلة.. امرأة مرغوبة لكنها بعيدة.. يمكن أن تقرأ في الغيمة تاريخ الماء منذ كان مطراً فنهراً فبحراً فطائراً فغيماً فمطراً من جديد، أو شجرة فثمراً فلوزاً أخضر أو مشمشاً وردياً، وإذا ما نقلتك الغيوم إلى المشمش نقلتك إلى دمشق، فتقف ساعة تبكي الغوطة ومشمشها، وتتحسّر على التاريخ الذي كتبه بردى؛ تاريخ الماء الذي تساقط محبة على العتبات ثم انفجر..
التراب عذاب العاشق ولونه.. سيرة فقد.. كتاب مشرع بتفاصيل الجمال.. وهو عنوانٌ محببٌ للآلهة القدماء الذين يحتفظ الشاعر ببعض ملامحهم؛ تموز، أدونيس، بعل، أوزوريس... حيث تحافظ الإلهات العاشقات على طقوس النبش عنهم، لإعادتهم إلى الفضاء الفسيح كلما نزلوا إليه بشغف، أعني التراب، وذابوا فيه. التراب سِفر الشاعر وعنوانه الأزلي، مهما أخذته المدن ودارت به أو دار بها... التراب أنا ترابه، وهو شغفي وسيرتي وسكني..

استعذابك الموت؛ بكلّ دراميّته المرعبة في الحقول!.. ألا ترى ذلك يتسع لأكبر من عذاب القرية وناسها المحطمين؟!.. المعنى أنني ربّما أنشد موتاً شمولياً كونياً، أو على الأقل يتجاوز نبع العذاب الأول نحو!.. نحو اشتراكيّةٍ ما؛ مثلاً؟!
الموت أكثر ألفة مما نتصور، إنه قريب، ينهل من قلوبنا، يصيبنا بالحزن نعم، لكنه يحشرج أصواتنا ببكاء محبب. تجربتي مع الموت قديمة... إنها إدراكٌ فطري لأهمية الإله الكنعاني (موت) الذي يصنع مع بعل وعناة دورة الحياة في بلاد تقوم حياتها على الانتظار... انتظار الغيم.. المطر.. الحياة، فإذا ما تأخّر الماء السماويّ اشتاقت لبعل وخصبه، وإذا ما جاءها الغيم بماء غزير خشيت حضور (موت) في مواسم قادمة.. الموت الذي تراه قريباً في قصر عمر النوار في الربيع.. في انحسار تدفق الينابيع وغيابها مع اشتداد شمس آب، تلك الشمس نفسها التي تمنح العنب والتين بهجة الحياة.. هذا الكائن الإله الحاضر أبداً في التفاصيل أليف أليف.. كان لا بدّ من التعايش مع حضوره الدائم.. كان في قصيدة قديمة رمزاً لانحسار الانتصارات العربية عن مسار التاريخ، لكنني أدركت لاحقاً أنه أحد أضلاع المثلث القديم؛ بعل وعناة وموت، إنه المثلث الإلهي الذي يصنع دائرة الحياة على الأرض، والتي تنتهي لتعود من جديد...

هل اتجهت بك (الأكاديميا) إلى تعزيز الصورة وتكثيف المشهديّة؟!.. أسوةً بالدراسات الأكاديمية التي وقفتَ فيها على صورة (الذّئب) عند الشاعر العربيّ، مثلاً؟!.. هذا يدفعني إلى فراغ في نصوص شبابنا الذين لم تتح لهم دراسة النماذج؛ فاعتمدوا على أسراب من الصور تحطّ على غصن المعنى بصعوبةٍ؛ بل هي لا تحط؟!
دراسة القصيدة قراءة متمعّنة في دقائقها، ربما تساهم في وضوح البناء من زاوية أنّ معرفتك بتجارب الآخرين تعمّق تجربتك الخاصة، فالنصّ الأدبي كما تتجه أحدث النظريات النقدية ليس أكثر من إعادة صياغة نصوص سابقة، فلا جديد تحت الشمس، ولا يوجد نصّ طاهر بكر غير ممتزج بقراءات صاحبه وذاكرته الثقافية المشبعة بالمرجعيات. لا بد للشاعر في الأحوال كلها من أن يكون قارئاً متمعّنا في الحقول كلها، ابتداء من النصّ الشعري المنفتح على التاريخ والفلسفة وأسئلة الوجود الإشكالية الكبرى، وانتهاء بكتاب الطبيعة المفتوح.. ليس شرطاً أن يدرس أكاديميا، لكن عليه أن يتمعّن؛ يقرأ بعمق ووعي.

كأنك حذرٌ من الرمز!.. ألمح ذلك في مفاتيح لا تنقص من قوّة النص والإحساس بصاحبه!
لا شعر دون رمز، لكنني أعمد دائماً إلى مزج الغامض بالأليف، تاركاً تلك المفاتيح التي تتيح للقارئ الولوج إلى عالم النصّ. صحيح أنها مفاتيح لا يستطيع استعمالها إلا من أتقن الدخول إلى عالم القصيدة الحديثة، وامتلك وعياً بمفردات الحداثة، لكنها وسيلة لا يبذلها كثير من الشعراء للقارئ. ربما يعود ذلك إلى أن غابة الشعر تتميّز بالكثافة والتشابك والانعطافات المفاجئة، فلا بدّ من معالم أساسية تقود داخلها حتى لا يضيع تماماً، فيكسب لذة الاكتشاف دون أن يشعر بفقد البوصلة تماماً.

هل من ثيم جديدة وسط كلّ هذا الذي يجتره الشعراء؟!.. وأين نحن من النقد النقد؟!
سبق أن استشهدت بالقول المأثور «لا جديد تحت الشمس» وسبق للشاعر العربي القديم أن قال: «ما أرانا نقول إلا معارا....» وقد أكدت جوليا كريستيفا أن كل نص هو تناص، والنصوص الأخرى تتراءى فيه بمستويات متفاوتة، فكل نص ليس إلا نسيجاً جديداً من استشهادات سابقة.. وعلى الرغم من ذلك لا بدّ أن يتجاوز الشاعر الاجترار الذي يعني الاستسلام للمنجز الثابت إلى استخدام مادته في صياغة نسيج جديد غني وفريد على الرغم من اعتماده على النصّ السابق.. ولا تخلو الساحة الأدبية من النصوص المميزة، فعلى الرغم من غثاء كثير نجد نصوصا تتميز بالإبداع والنضوج. أما النقد فهو لاحق دائماً، لا يمكنه أن يرسم للإبداع ملامح الطريق، وحتى لو فعل فإن الشاعر قادر دائماً على تجاوز الحدود بل تحطيمها وفتح آفاق جديدة.

الخميس، 21 فبراير 2013

سلطان الزغول : سنشارك في إنجاح «عجلون مدينة الثقافة الأردنية 2013»


عمان - الدستور - عمر أبوالهيجاء

انتخب حديثا الشاعر والناقد سلطان الزغول رئيسا لفرع رابطة الكتاب الأردنيين في عجلون، مدينة الثقافة الأردنية لعام 2013، وهو الفرع الذي أسس حديثا. «الدستور»، هاتفت الزغول وحاورته حول مشاريع الفرع المستقبلية، وحول استعدادت عجلون لحمل راية الثقافة الأردنية العام المقبل، فكانت هذه الاجابات.

* فزت مؤخرا برئاسة فرع رابطة الكتاب في عجلون. ماذا عن هذا الفوز، خاصة أن الفرع حديث الإنشاء؟

- لقد عملنا في في النصف الثاني من العام 2012، أنا وزملائي أعضاء الرابطة في عجلون على تأسيس فرع لها في هذه المدينة العريقة، التي تضمّ طاقات ثقافية خلاقة تحتاج إلى التواصل مع جسم مهم في الحياة الثقافية الأردنية هو رابطة الكتاب، لتكتسب منه وترفده في الوقت نفسه. وحين وصلنا بالتعاون مع أعضاء الهيئة الإدارية في الرابطة الأم إلى لحظة انتخاب هيئة تدير شؤون الفرع تم توافق أعضاء الرابطة في عجلون على ذلك بهدوء ومحبة، فلم تكن انتخابات بقدر ما كانت جلسة حميمية حمّلني فيها الأصدقاء مسؤولية إدارة فرع الرابطة، ولا شكّ أنني بهذه المحبة التي أحاطني بها الزملاء قد حملت عبء تأسيس قاعدة متينة للرابطة في عجلون، تجعلها شريكا أساسيا في التنمية الثقافية للمدينة المقبلة على استحقاق ثقافي كبير على مستوى الوطن، وهو إنجاح مشروع عجلون مدينة للثقافة الأردنية عام 2013. خاصة أن الرابطة التي تحمل مشروعا تنويريا كبيرا ومتينا قادرة على المساهمة بفعالية في الارتقاء بعجلون مدينة ومحافظة، والمساهمة في بعث تاريخها وتراثها العريق.

* ما هي مشاريع الفرع في المستقبل؟ وما مدى انفتاحه على المشهد الثقافي والمجتمع المحلي في عجلون؟

- يمتلك فرع الرابطة في عجلون رؤية طموحة للمساهمة في صياغة ثقافة تنويرية ترتقي بالعمل الثقافي من إقامة النشاطات الثقافية إلى بناء لبنات أساسية في جدار الثقافة الأصيلة المستندة إلى الوعي والمعرفة، وصولا إلى نفي الرداءة من المشهد. وهذا لا يعني الانقطاع عن إقامة النشاطات الثقافية من محاضرات وأمسيات أدبية، فهي رافد مهم من روافد الوعي والتنوير، لكنني وزملائي في فرع عجلون نسعى إلى المساهمة في التنمية الثقافية عبر مشاريع نوعية تتميز بأنها أصيلة وجادة وتستند إلى إرث عميق، لكنها منفتحة على آفاق الحاضر واعية به. ونحن الآن بصدد إعداد خطة طموحة للعمل الثقافي النوعي في العام 2013، ولا شك أنها بحاجة للدعم ماديا ومعنويا، سواء من الرابطة الأم، أو من الجهات الرسمية والمحلية. أما في الأشهر المتبقية من هذا العام فنحن بصدد الإعداد لورشة عمل بالتعاون مع مديرية التراث في وزارة الثقافة تتضمن محاضرات وحواريات يساهم فيها المعنيون بجمع التراث العجلوني من محافظة عجلون وخارجها، وذلك استعدادا لمشروع جمع المنتج التراثي العجلوني في العام 2013، وهو مشروع طموح ستتعاون على القيام به أكثر من جهة في عجلون، لكننا سنحاول بهذه الورشة أن نمهد أرضية العمل للمعنيين بالحفاظ على التراث. وأوجه شكري العميق للدكتور حكمت النوايسة مدير مديرية التراث في الوزارة على تعاونه في إقامة هذه الورشة التي تساهم في الإعداد لمشروع تراثي كبير أرجو أن ينجح. ناهيك عن بعض النشاطات الأخرى التي نتمنى أن يتمكن الفرع من القيام بها عبر دعم الرابطة الأم والجهات الأخرى المعنية بالعمل الثقافي.

* ما هي الاستعدادات للاحتفاء بعجلون مدينة للثقافة الأردنية في العام المقبل؟ وما هو دور الفرع في ذلك؟

- أتمنى أن يكون فرع الرابطة في عجلون شريكا اساسيا في إنجاح هذا المشروع الثقافي الكبير الذي يصل إلى عجلون بعد تجارب متعددة في مدن أردنية أخرى، ما يعطي للمدينة بعدا مهما في الاستفادة من الأخطاء السابقة من جهة، والبناء على النجاحات التي تحققت من جهة أخرى. ولدينا إيمان راسخ بقدرة عجلون على أن تكون مدينة الثقافة المتوهجة، بتعاون أبنائها وبنيتها التحتية المختلفة؛ فهي مسرح كبير مفتوح يتضمن مشهدا جماليا خلابا، ولوحة طبيعية تتسع للجميع. وقد بدأ الاستعداد مبكرا لإنجاح هذا المشروع الذي انتظرته عجلون طويلا، سواء من الجهة الرسمية (وزارة الثقافة)، أو من الجهات الأهلية والمعنيين بالعمل الثقافي. أما فرع الرابطة في عجلون فسوف يعدّ خطة عمل نوعية –كما أشرت سابقا- للمساهمة في صياغة مشهد ثقافي متميز ومختلف في مدينة الثقافة الأردنية عام 2013.

* كيف تقرأ الواقع الثقافي الحالي لمدينة عجلون؟

- إنه جزء من الواقع الثقافي العام في الأردن، فيه أصالة وإبداع وإضاءات هنا وهناك تشكّل أشعة تنير الدرب، وفيه رتوش ورداءة تطفو على السطح كأي زبد. وإذا أردنا في عجلون أن نتعاون على الارتقاء بهذا الواقع، علينا أن نساهم في نماء الثقافة الحقيقية، ما يدفع بأشعّتها إلى إنارة بقع الظلمة وصولا إلى تنقية المش?
التاريخ : 07-10-2012

عبق من تاريخ عجلون - سلطان الزغول

ظلت عجلون حضنا دافئا للمجد والشموخ عبر التاريخ، وفي هذه المقالة أودّ أن أقدم خلاصة جولة قمت بها عبر كتب التاريخ المتعلقة بهذه الأم الجبلية المحلقة أبدا في ذرى السموّ، وقد أدهشتني بعض المعلومات التي عرفتتها لأول مرة، ويسعدني التعرف على أي إضافة توضّح الصورة أو تجلوها أو تعمّقها.
أولا: حول السكان والتعايش الاجتماعي
يؤكد عليان الجالودي ومحمد عدنان البخيت في كتابهما "عجلون في عصر التنظيمات العثمانية" أن عدد القرى في قضاء عجلون أواخر العهد العثماني قارب 126 قرية، وقد رافق هذه الزيادة في عدد القرى كثافة في الاستيطان، حيث ارتفع عدد سكان القضاء من 20ألفا أواخر سبعينيات القرن التاسع عشر إلى 62 ألفا عام 1914. ويقارن الباحثان هذا العدد بعدد سكان أقضية لواء حوران الأخرى جميعها باستثناء عجلون فيجدان أنه لم يتجاوز 12 ألفا في حين أن عدد سكان أقضية لواء الكرك: السلط، والطفيلة، ومعان والكرك بلغ 74 ألفا. ويرجع الباحثان ازدياد عدد السكان في قضاء عجلون في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين إلى خصوبة الأرض والطبيعة المنيعة التي شكلت ملاذا للفلاحين المستقرين ضد اعتداءات البدو.
أما المستشرق (أوليفانت) في كتاب "أرض جلعاد" فيقول: ضمت بلدة عجلون عام 1879 أكبر تجمع سكان إلى الشرق من نهر الأردن وقدر عدد سكانها بخمسمائة نسمة، ثلاثة أرباعهم من المسيحيين والربع الأخير مسلمون. ويؤكد الرحالة الذين مروا بقضاء عجلون على العلاقة الودية بين المسلمين والمسيحيين، حتى أنه لا يمكن التمييز بين أصحاب الديانتين لأن مظهرهم وملبسهم وعاداتهم متشابهة ، ويشير أوليفانت في كتابه "أرض جلعاد" -وهو كتاب مهم بحاجة إلى أن يترجم إلى اللغة العربية- يشير إلى أن المسلمين يحترمون الأقلية المسيحية ويحافظون على حقوقها، ولم تترك الصراعات الطائفية في المناطق المجاورة أي صدى في القضاء، ويرجع الباحث نعمان قساطلي في دراسة له بعنوان "سوريا" أسباب ذلك إلى بعد المنطقة عن الدسائس الاستعمارية وإلى اندماج المسيحيين اجتماعياً واقتصادياً مع المسلمين، كما كان للمسيحيين حقوقهم في الإدارة وإقامة شعائرهم الدينية وبناء كنائسهم. وقد أنشئت في عنجرة عام 1888م مدرسة الروم الأرثوذكس، كما أنشئت مدرسة للأرثوذكس في عجلون في العام نفسه. أما اللاتين فأنشؤوا في عجلون مدرستهم عام 1889، وبعدها بعام واحد أنشأ اللاتين مدرسة أخرى في عنجرة.
ثانياً: عجلون هي الأردن
تفيد "السالنامات العثمانية" المتوفرة في مركز الوثائق والمخطوطات التابع للجامعة الأردنية أن عجلون كان لواء يتبع ولاية الشام، ويضم جميع أجزاء شرقي الأردن بمفهومه السياسي الحالي: عجلون، أربد وتوابعها، البلقاء، الكرك. واستمرت هذه الحال حتى عام (1861م) حيث طرأ تغيّر إداري مهم فأدمج عجلون مع لواء حوران، وأصبح هذا اللواء الجديد يضمّ جبل دروز حوران، والقنيطرة، وعجلون مع توابع إربد، والبلقاء، والكرك. لكن لواء عجلون فقد أهميته كلواء مستقل بذاته عام 1864م وتحول إلى قضاء تابع للواء حوران، أما البلقاء والكرك فاستمرتا تتبعان إدارياً إلى قضاء عجلون حتى عام 1866م ولم يتشكل لواء البلقاء الذي ضمّ نابلس والكرك والطفيلة والسلط مع الأغوار إلى عام 1868. وقد استمرت تبعية قضاء عجلون الإدارية للواء حوران طوال الفترة ما بين سنتي1864-1918. ويؤكد الدكتور يوسف غوانمة أستاذ التاريخ في جامعة اليرموك أن عجلون كانت تمتد من وادي الزرقاء جنوباً إلى وادي اليرموك شمالاً، ومن وادي الأردن غرباً إلى منطقة البربة (خلف جرش) شرقاً. وقد ازدادت أهمية عجلون في العصر الأيوبي، فعهد صلاح الدين إلى قائده عز الدين أسامة بناء قلعتها في قمة جبل عوف عام 1184م في مكان استراتيجي، وذلك لمنع توسع الفرنجة من الغرب. ويضيف غوانمة: وفِّق صلاح الدين في اختيار موقع يسيطر على جبال عجلون وعلى المنطقة الممتدة من طبريا إلى البحر الميت. والقلعة يمكن مشاهدتها من جبال نابلس والقدس.
كما يشير غوانمة إلى أن وجود مدينة عجلون في منطقة خصبة وكثافة سكانية عالية، إضافة لوقوعها على شبكة مواصلات تربطها بالأغوار وفلسطين والبلقاء وإربد ودمشق أعطاها مزايا اقتصادية، فعرفت بنشاطها الاقتصادي والتجاري وتشعب الأسواق وكثرتها، بل كان لها علاقات تجارية مع المناطق المجاورة، بل ومع الدول الأوروبية، ويدل على ذلك وجود (دار الطعم) في عجلون، وهي وكالة للتجار الأجانب.
ثالثاً: بصمات التاريخ في ربوع عجلون
بنى الصالح نجم الدين أيوب سنة 645ه (1247م) مسجد عجلون الحالي وهو أحد مسجدين بنيا في عجلون ذلك العهد، لكن المسجد الثاني لم يبق له من أثر. وقد اهتم الظاهر بيبرس بمدينة عجلون فبنى منارة للمسجد سنة 1263م. ويقع مسجد عجلون في منتصف المدينة، وهو من أقدم المساجد الباقية في الأردن. ويوجد في قلب بلدة كفرنجة مسجد جامع قديم البناء يقوم على أسس أيوبية ومملوكية. أما قرب مسجد عجلون الأيوبي فيقع خانقاه سيد بدر، ومن المعروف أن الأيوبيين ومن بعدهم المماليك قد اهتموا ببيوت المتصوفة، ومنها هذا الخانقاه الواقع في قلب عجلون التي اشتهر فيها عدد من المتصوفة الذين أقاموا في سيد بدر، ومنهم محمد بن علي بن جعفر الشمس العجلوني المعروف بالبلالي، الذي ولد بعجلون ورحل إلى دمشق والقاهرة حيث تولى مشيخة سعيد السعداء هناك، وقد صنف البلالي عدداً من الكتب قبل أن يتوفى في القاهرة سنة 820هـ (1417م) ومن رجالات الصوفية العجلونيين الزاهد العابد عمر بن حاتم العجلوني الذي زار الخليل وحلب، ثم جاور في مكة المكرمة قبل أن يخرج إلى المدينة، ولكنه مرض في الطريق وتوفي ببدر سنة (845هـ). ويدل إقامة هذه الخانقاه في عجلون على أهميتها في عصر الأيوبيين والمماليك، فهي كما يؤكد الدكتور يوسف غوانمة من المدن الهامة التي تمتلك شهرة تجارية واقتصادية، إضافة إلى أهميتها الإستراتيجية التي دفعت صلاح الدين إلى بناء القلعة فيها، إضافة إلى ظهور عدد كبير من العماء والفقهاء والشعراء فيها، والذين كانوا على اتصال بعلماء دمشق وبيت المقدس. ويذكر غوانمة في كتابه "الحياة العلمية والثقافية في الأردن في العصر الإسلامي" عدداً معتبراً من علماء وشعراء عجلون الذين يقدم تراجم لهم ومنهم عمر بن محمد بن عمر المعري العجلوني الفقيه الذي ولد بعجلون وتوفي بمعرة النعمان، والشاعر الأديب محمود بن طي العجلوني الذي كان شاعر رقيقاً في عهد المماليك، وفضل بن عيسى بن قنديل العجلوني الحنبلي العالم الجليل. ومن علماء عجلون الذين يذكر غوانمة منهم ثلاثة وثمانين عالماً وأديباً رحلوا إلى دمشق والقاهرة والقدس واشتهروا فيها عزالدين بن عبد السلام بن داود العجلوني، وبرهان الدين إبراهيم الباعوني، وعائشة بنت يوسف بن أحمد الباعونية أما الدكتور قاسم المومني وفخري كتاني فيذكران في كتابهما "شعراء عاشوا في قلعة عجلون" حوالي اثني عشر شاعراً في القرنين السابع والثامن الهجريين منهم يحيى بن خضير، ومحمد بن سليمان، وسعد الدين بن المبارز، ما يؤكد على الحياة الثقافية العامرة والفنية في عجلون، وازدهارها ذلك العصر.
ومن الخرائب التي تحوي آثاراً دارسة تحتاج إلى التنقيب والتأكد من معالمها وتاريخها:
* مسجد عصيم الأثري الذي لم يبق منه إلا المحراب والباب الغربي وبعض القناطر التي تشير إلى ملامح أموية.
* مقبرة تاريخية شرقي بلدة راسون.
* آثار يونانية وإسلامية جنوب بلدة راجب.
* آثار يونانية ورومانية وبقايا مساجد أثرية قديمة، ربما كانت أيوبية، جنوب عنجرة في مناطق: سرابيس، والحنيش، والحزار، وخربة السوق والفاخرة.
* آثار إسلامية في المنطقة الشمالية والغربية من جبال عجلون: لستب وحلاوة والهاشمية ودير الصمادية وصخرة والطيارة وباعون.
ومن الجدير ذكره أن بعض المصادر قد ذكرت أن النبي إلياس قد ولد في منطقة لستب الواقعة شمال غرب مدينة عجلون، وفي تلك المناطق تقع مار إلياس الشاهدة بقايا آثارها على وجود تاريخي لا يُعرف كنهه على وجه الدقة.
رابعاً: مؤرخون ورحالة ذكروا عجلون
يقول الدكتور يوسف غوانمة في كتابه "التاريخ السياسي لشرق الأردن": كانت عجلون في عهد دولة المماليك الأولى من أهم الدروب الاقتصادية بل هي الممر الوحيد الذي تسلكه قوافل التجارة بين العراق ودمشق والقاهرة. ولعل ذلك راجع لتعذر دخول البدو إليها ومهاجمة القوافل التجارية. ويقول الدكتور الغوانمة في الكتاب نفسه إن عجلون كانت المصدر الثالث من مصادر أرزاق العساكر الإسلامية بعد دمشق ولبنان في عهد الأيوبيين والمماليك.
وقد ذكرت بعض المصادر أن القافلة التي اشترت النبي يوسف قد مرّت بعجلون التي كانت تشتهر قديماً بنبات البيلسان، وهو المادة الرئيسية التي استخدمها المصريون القدماء في تحنيط موتاهم، حتى أن اسم النبات بالانجليزية هو "BALM OF GILEAD " أي بلسم جلعاد.
ذكر المستشرق لانكستر هاردينغ أن عجلون تشتهر بالحديد الذي كان الأيوبيون يستخرجونه من مغارة " وردة" قرب راجب، ويصنعون منه السيوف في داخل القلعة بعد صهره واستبعاد الرواسب منه في فرن الصهر قرب القلعة، في الجانب الغربي منها. أما الرحالة سيلاه ميرل فيصف عام 1877 عجلون بأنها ذات واد جميل واسع كثير الينابيع، موكداً أن منظر الوادي عند قرية عين جنة يجعلة من أجمل الأودية في سورية كلها، ويضيف: توجد ثلاث قرى مزدهرة هي عجلون وعنجرة وكفرنجة ، وتكثر الخرائب الأثرية في هذا الوادي ، ما يدل على أن هذه الجهة كانت حافلة بالقرى أو المدن في العصور القديمة ، وتكثر الطواحين في الوادي. أما "جراي هل" فيقول عن زيارته الأردن عام 1888م: اتجهنا من جرش نحو جبل عجلون فمررنا بأرض أجمل من أي أرض مررنا بها من قبل.
وقد جاء في وصف عجلون وقلعتها عند الشيخ شمس الدين الدمشقي في كتاب
"نخبة الدهر في عجائب البر والبحر": "وفيها حصن حسن حصين، وفيه مياه جارية وفواكه كثيرة وأرزاق غزيرة، وهو مشرف يُرى من مسيرة أربعة أيام". وعجلون ذات طبيعة ساحرة ما زالت على مدى العصور شاهدة على تميّز المكان، تكسوها الغابات، ويكثر فيها شجر البلوط كما تكثر فيها الينابيع. ولا يمكن الإحاطة بأقوال الرحالة والمؤرخين الذين مروا بعجلون في هذه العجالة ومنهم ابن بطوطة وغيره من الرحالة المسلمين والأجانب.

شاعر أردني يرى أن غياب الإبداع المحلي عن المشهد العربي متعلق بعوامل التسويق سلطان الزغول: النقد في الأردن يمتلك على الرغم من سلبياته طاقات خلاقة


سليم النجار/جريدة الغد الأردنية
عمان- قال الناقد والشاعر سلطان الزغول إن الكتاب يشكون عادة من غياب المتابعة النقدية لإبداعاتهم، مضيفاً أنَّ الكثير من الكتاب يشيرون إلى سيطرة المحاباة والعلاقات الشخصية، وسياسة تبادل المنافع على المشهد النقدي.
وفي حوار مع "الغد"، يؤكد الزغول أنَّ النقد في الأردن، على الرغم من شوائبه وسلبياته، يمتلكُ طاقات خلاقة وقادرة على الإضافة المتميزة للنقد العربي. ويتابع "لا أتحدَّثُ عن المتابعات الصحفية وشبه الصحفية، والتي يسيطر عليها عادة قراءة النص قراءة خارجية، ولكن أقصد النقد الذي يغوص في العالم الداخلي للنص الإبداعي، ويتماهي مع تجلياته الفنية".
 ورأى الزغول أنَّ على المبدع الصبر على متلقي نصه، مذكِّراً أنَّ بعض الإبداعات الأدبية التي تمتلك بعداً إنسانياً، ترجمت إلى أغلب لغات العالم الحية.
ويُنوِّه الزغول إلى أنَّ القصيدة في الأردن جزءٌ من حركة الشعر في الوطن العربي، كما تأثَّرت القصيدة الشعرية في الأردن، بالحركة الشعرية العالمية. ويقول "السياقات كما أعتقد متشابهة، والمرجعيات هي نفسها تقريباً. ولا أنفي هنا التمايزات والخصوصية المنبثقة عن عوامل محلية أصيلة، لكنني أشير إلى اللغة الواحدة التي تبنى القصيدة من خلالها".
ويرى الزغول أنَّ القصيدة الدرامية المدورة موسيقيا عند محمد بنيس في المغرب، مثلما تجدها عند حكمت النوايسة أو أي شاعر أردني آخر، وكذلك هي حال قصيدة النثر المعبأة بالصور والبلاغة الطاغية التي تتمثل بمدرسة أدونيس، أو تلك التي تنحاز لبساطة التفاصيل اليومية.
ويعيد المشكلة الزغول إلى قدرة المتلقي على متابعة مرجعيات القصيدة، وما تحمله من فكر، وما تكتنزه من صور ودلالات عميقة عبر لغة مكثفة فائقة. ويوضح الزغول باختصار "المشكلة ليست في غابة الشعر، فهي ما تزالُ عامرة بالطزاجة والمفاجآت، وما زالت غنية ومدهشة".
ويؤكد أنَّ غياب الإبداع الأردني عن المشهد العربي متعلق بعوامل تسويق المبدع الذي يضطلع بها الإعلام عادة، فالإبداع الأردني متميِّزٌ في مختلف صنوفه، وتبقى مهمة توضيح وجلاء صورته المشرقة خارج الأردن من مهمات الإعلام الوطني الذي يمكنه أن يساهم بفعالية بذلك. 
ويُشير الزغول إلى أنَّ هناك تنوعا إبداعيا غنيا تضج به الساحة الأردنية التي لا يقل غناها الأدبي والفني عن أي ساحة عربية أخرى، بل إنها كثيراً ما تتفوق على غيرها، لكن ما ينقصها هو وجود مؤسسة وطنية تعنى بتسويق المبدع الأردني على أسس منهجية مدروسة، ولعل إنشاء هكذا مؤسسة من المطالب الملحة الآن.
ويوضح "عندما كنت أستعد لكتابة أطروحتي لنيل درجة الماجستير في الأدب والنقد، كنت محتاراً بين إعداد دراسة سردية، أو تناول ظاهرة شعرية". ويضيف "عملت أخيراً بنصيحة الدكتور خليل الشيخ الذي اقترح عليّ البحث في صورة الأب في الشعر العربي الحديث، بما يعنيه ذلك من تواصل مستمر مع القصيدة العربية، وتتبع بنائها الفكري والفني". 
ويقول إنَّ الشاعر محمود درويش هو الأكثر عناية واهتماماً بتمثيل الأب في الشعر العربي، فهو يحضر في شعره الأول، ابتداء من ديوانه "أوراق الزيتون 1964"، ثم يبرز تباعاً، حتى يتوهج ويغطي كثيرا من قصائده من تسعينيات القرن الماضي.
 ويضيف "يدأب درويش على التعبير عن معاناة الإنسان الفلسطيني في تحولاته المختلفة، ولا تخرج تمثيلات الأب عنده عن هذا النهج الشعري الذي جعل منه شاعر القضية الأول". ويشير الزغول إلى أنَّ الأب عند درويش، الفلاح المتشبث بأرضه، واللاجئ المشرد يحلم بالعودة إلى طنه، أو الثائر على الظلم في سبيل العودة. ويرى الزغول أنه عندما انحسرت أحلام الثورة، بنى درويش عالماً شعرياً نظر فيه إلى التمثيلات نفسها، لكن في مرآة فنية جديدة أكثر تماسكاً ورقياً، تمتد فيها صورة الأب لتحتضن الأب القديم كنعان، جنباً إلى جنب مع أبي محمود الذي بدأ يكتب من خلاله سيرة الإنسان الفلسطيني المتمسك بحقه في أرض فلسطين، رغم تكالب الدنيا على إنكار هذا الحق. ويخلص إلى القول "لقد كتبت قصيدة محمود درويش سيرة الأب الفلسطيني في ارتباطاته بالزمان والمكان، وقدمت صورة واضحة عن تمثيلات الأب في الشعر الفلسطيني الفريد في منطلقاته ووسائله وروحه، واتصاله بالفردوس الفلسطيني المفقود".