كان الخريفُ يُداعِبُ الغيم
كان الغيمُ يمشِّطُ زرقةَ السماءِ ببياضه المريب
كنتُ أدعكُ الوحشةَ في انتظار النهار
بينما الصبحُ يقرأُ اصطكاكَ الفجرِ على أكتافِ الورودِ المُنْحنية
كان الصمتُ ينْسَكِبُ على جدران الصباح
وبَعْلُ متدثِّرا بطفولته يَدُقُّ الوَهجَ
يعصرُ المِلحَ
يراودُ الليلَ عن العتمة
والترابَ عن العطش
والسكينةَ عن الموت
انفلتَ بَعْلُ بشعرهِ الطويل
نَدَهَ الضَّبابَ فانْسَكَبَتْ خيولٌ قديمةٌ بلا سروجٍ على السفوح.
شكا الغيمُ مراوَغَةَ تشرين
وانبطَحَتْ قُلاماتُهُ على سفحِ الجبل
كانت تينةٌ قديمةٌ تشلَحُ أوراقها على أبوابِ كانونَ متدثِّرةً بدفءِ المطرِ بعدَ انحسارِ الريح
كان الزيتونُ يُشْعِلُ أصابعَِهُ لِِعَناةَ كي تَنْسَكِبَ متوهِّجة بذهبه السماويِّ في حِضنِ الشتاء
ضَفَائِرُها تلعبُ بالريح
صوتُها يَبْعَثُ النار بخاصرة الجبلِ فتنحني سُفٌوحُه:
- لكِ المجدُ
هذا الخريف مراوغٌ
غيمُهُ لا يدومُ
دموعُهُ حَمْلٌ رمادي
لكنّ خُطواتِها تطايرتْ في بطنِ كانونَ
فاشتعلَتْ كوانينُ الجبلِ تُغَنِّي لريحٍ قديمة
قيل جاءتْ على مَهَلٍ تَحْلِبُ ضِرْعَ أعاصيرِ الماءِ
الأولِ لِتصنَعَ من زَبَدِها فَرَسَا بيضاء
انتظرنا خيولَ الصفاء
انتظرنا...
انتظرنا...
جاء الخريفُ يشْلَحُ تشرينَ
يحملُ عتَبَةَ كانونَ على أطرافِ أصابعِ الجبل
يسْكُبُ الانتظارَ على السفوح
جاء الخريفُ يُراوِدُ الصمتَ
يُناكِفُ الموتَ
يَلْبَسُ الغيمَ
يُلْبِسُ كانونَ الأول...
