الضيف/ سلطان الزغول


   إلى عليّ إذ فَتَنَهُ القبر

 






    (1)

الموت
عباءة ألبَسُها
تُلبِسُني







    (2)

موشّحا بكانون
بتصفيق الريح على الدرجات
حلّ ضيفاً على الجبل
الخطوات متقطّعة
الشمس تبرّدها الريح الشرقية
فلا ينظر إلى ضوئها أحد
لا سحب ولا غيوم
شمس وشرقيّة ودرجات حزينة
وعليّ
عصاه تتمايل على الدرجات
بيده اليسرى يمسك الضيفُ
ويُجلسه...
-        "ألا ندخل..؟"
-        "الدرجات أكثر هدوءاً"
-        "تأخرت يا صديقي.."
-        "......."
-        "هيا بنا..؟"
-        "ألن تنظر إليّ على الأقل؟"
-        "اشتقت كثيراً لنزول الجبل.."




    (3)

يحملني لون الموت منذ ولدت وأحمله
أحرث الجبل
لقمح أبي
وتحرثني التشارين وسياطه الغاضبة
أوسّع الينبوع
لأسقي دوابّه
وأسأل... مَن يملكُ مَن؟
نحن أم الدواب؟
فيجيبني الينبوع بدفق متواصل عذب ينسيني عذابي وعذاب الدواب




    (4)

يا أبي...
يا سورة أقرأها في صلاة الفجر قبل الفاتحة
وتصول في جسدي طول النهار
أسوق الدواب في الحقول بصوتي
وتسوقنِي بيد غليظة
ممنوع أن أحيّي السهول
ممنوع أن أتمدّد في حضن الغابة
ممنوع أن أنام في حضن الفجر
ممنوع أن أسأل شجرة الجوز العتيقة في حضن الوادي
عن العصافير التي ولدت عِشاء أمس
ممنوع أن أحمِّم الحور وأصغي للدفلى تكتب غبطة الماء
ممنوع أن أتجهَّم في وجه العلّيق إذ يمرُّ على جسدي نخزاً
وأنا أقطع الوادي من نقطة واطئة
ممنوع أن أصغي للموت يرتّلني منذ ولدتُ:
                             "يا عليّ...
                               عليك التعب"
يا أبي...
عليك السلام 






    (5)

ـ "حدّثني عن النهر"
ـ سراب دائم
      كلّما  لمستْهُ أصابعي
      جفّ
ـ "حدّثني عن الخديعة"
ـ لوحة فاتنة
      ما زلت أجلس أمام إطارها
      لا شَرِبَتْني
      ولا لَفَظَتْني
ـ  "حدّثني عنّي"
ـ  حاضرٌ حاضر
      أصابعك محفورة في تقاطع صوتي مع التراب
      منذ ولدتني أمّي صامتاً
      قليل البكاء في الطفولة
      كثير النحيب في الشباب
      مفعما بالحزن الآن
      مدّها أكثر...
      لعلّ بقايا من توهّجك الأخير
      تبقى في جسدي
       تسمُهُ بالحبور
       إذ تفارقني منتصِرَين





    (6)

يأكلني المحراثُ
ودربُ الحقل
ومنجلُ الصيف
وفأسُ الشتاء
وإذا ما نظرت إلى الغيم
ساطتني يدُ العذاب.
ولم تُتعِبني الفِلاحة
ولا أنفاس الحصّادين
لكنّني بكيت على طريق الكـُتـّاب
كان البيض والرغيف من صنع يدي
ولم أستطع أن أسير معهم فيه





    (7)

كنت أدلّ النبع على الشفاه
وأنا عَطِش
وأقود الشمس إلى القمح
وأنا جائع
كنت أدلّ النار على الحطب
وأنا مُزرقّ
وكنت أنوّمُ الجديان في زرائبها
وأنا أرِق
والآن أقود الشتاء إلى الأرض
وأنا في القبر





    (8)

ـ   "لن أصعد الدرجات بعد الآن
      لن أبكي ما لم يأتِ
      لن أنتظركَ أكثر
      ها قد جئتَ في الصعود
      لتضمَّ الجسد في جناح رغبتك
      وتطلقَ الروح في عبير الوادي"

ـ    "لننزل إذن تحوطك الرياح
       قد امتلأ القبر ماءً
       وآن لك أن تروي العطش"