الأربعاء، 25 مارس 2015

قرب باب دمشق

سلطان الزغول

                                      (1)
دمشقُ جاءتْ تَرَى آثارَ مَنْ رحلــــوا      هاجت سمـــــــــــــاها تُواري آخر الحَبَقِ
كم داعَبَتْها أغاني الياسمين ضُحىً      وأمْطَرَتْها صفــــــــــاءً ســــــــــــــاعَةَ الشَّفَقِ
تاهت طويلا على الأيـام خــــــــــــــــافِقَةً      واليوم تشكو رُباها ســــــــــــــــــــاعةَ الأرقِ
طالَ السوادُ على نسريــــــــنهــــــــــا كُرَباً      واليومَ ترنـــــــــــــــو إلى شمسٍ من الأَلَقِ
دمشقُ أنتِ الهوى آتيكِ مِن عَطَشٍ      فتكتبيـــن على قلبــــــــــــــــــــي هوى الوَدقِ
"إنّي أنا المـــــــاء لا ماء لكم قبلــــــــي      ولا خلال غِيــــــــــــــــــابي عن ذُرِى العَبَقِ"
وتملئيــــــــــــنَ شرايينـــــــــــــــــــــــــــــــــي بأوردةٍ      من روح روحك تُبْقيــــــــــــــني على سَمَقِ
طالَ الغيابُ أيا معنى لأجنحتـــــــي      هل تغمرين فضاءاتــــــــــــي على الفَرَقِ؟
حتى أعـــــــــــــــودَ فتِيَّاً ســــــــــــــامقا عبِقَاً      قومي ارْتديني وأَلقي الدفْءَ في أُفُقي



(2)
السماءُ تُساقط ماءً غزيرا
والرجال يحومون عند ضفاف المدينة
والوحوش أتت لحمها من خلاف
والحذاءُ اللعين..
يفتحُ الدربَ للماء يشربُ لحمي
آهٍ من الماء كم راودتْهُ دمشقُ عن الغِيِّ لكن
تراءى لوجه دمشق غضوبا
وراحت تُداعبُ كانون في مسرح الأمنيات
وتوصي الشوارع أن تتعمَّدَ بالماء
"إني أنا المااااء"
دمشقُ أتيتكِ غِرّا
وكُنتِ طريقي إلى أول الدربِ
كنتِ طريقَ الحفاة إلى أوَّلِ المجد
كنتِ الأليفةَ للعابرين
كنتِ الشقيقةَ للخائنين
دمشقُ أقلّي عتابَكِ
إنّي أعوذُ بروحك من غَيبةِ الوَجْدِ عن ركن قلبي
دمشقُ أقيمي على غيمِ روحيَ من خافقيك
وألقي السلامَ..
على وَفرةِ الحرب يأتي سلامُكِ غَضَّاً
ويغفرُ للموت هذا البياض
دمشقُ..
بهائي القديم..
ولُجّةُ قلبي
وسِرُّ التقوقع في جبهة الروح رُغم الحصار
ورغم الحرائق..
دمشقُ حريقي وصوتي ولوني
دمشق رمادي القديم...





(3)
تُحمِّمُني بالبَهاءِ زنابقُكِ الواقفاتُ
على حافة القلبِ
تكلأ قلبي روابيكِ.. يخفق وَجْدا
وأسْمَعُ نبْضَكِ فيَّ
يغشى ارتعاشي
فأغدو هباءً بظلّ بهائك
أغدو رمادا إذا ما احترقْتِ
أصيرُ حروفا إذا ما كتبتِ
تصيرُ الحقول بصوتي نايا
يصيرُ هواءُ الحقول هواؤُكِ
تمشي الزنابق نحوك حبّا
أرنو إليكِ..
ألا يا نساء المدينة..
أين المدينة؟؟
وأين الروائحُ تعبقُ في الروح
روائح من قبل أن يبدأ الوقت تنسجُ قلبي
وتكتبني في كتاب الروائح..
"قد ذاب وجْدا"
وأسمعني قرب باب دمشق أصيحُ:
ألا يا كتاب الروائح ألقِ عليها هواءَكَ
ألا يا كتابي الأليفَ توضّأ بزنبقها والتمسْ
ياسمينا يطيح بقلبي على العتبات.. أصيحُ
دمشقُ أحبُّكِ
أنت الأليفةُ للعابرين
أنتِ الشقيقةُ للخائنين
أنت طريق الحفاة إلى أول المجدِ
أنت طريقي إلى أول الدرب
دمشقُ أفيقي...
أعيدي لقلبي كتاب الروائح
أعيدي حريقي...
عنجرة/عجلون
أوائل كانون الثاني 2015


الثلاثاء، 24 يونيو 2014

نص الحوار المميز الذي أجراه معي الصديق نضال القاسم لجريدة القدس العربي


http://www.alquds.co.uk/?p=181092http://www.alquds.co.uk/?p=181092

الثلاثاء، 12 مارس 2013

الزغول: تجربتي مع الموت قديمة

الرأي/ إبراهيم السواعير 


هذه مماحكات أكثر منها أسئلة؛ أحببنا فيها أن نقف على مستخلصٍ ما.. عند الشاعر سلطان الزغول؛ وله في الشعر تجربة وهدف.

الغيمة والتراب!.. هل يشيانِ بكلّ هذا الذي يصير؟!.. أم هما محض ذاتيّةٍ لا تنكشف على جوار؟!
الغيمة محبة.. شريان حياة.. بياض.. تقرأ فيها شغف الروح للماء.. تتربص بها لتقطفها لكنها تعلن (الحرد) عن النزول، وتبقى في الأعالي كذبة جميلة.. امرأة مرغوبة لكنها بعيدة.. يمكن أن تقرأ في الغيمة تاريخ الماء منذ كان مطراً فنهراً فبحراً فطائراً فغيماً فمطراً من جديد، أو شجرة فثمراً فلوزاً أخضر أو مشمشاً وردياً، وإذا ما نقلتك الغيوم إلى المشمش نقلتك إلى دمشق، فتقف ساعة تبكي الغوطة ومشمشها، وتتحسّر على التاريخ الذي كتبه بردى؛ تاريخ الماء الذي تساقط محبة على العتبات ثم انفجر..
التراب عذاب العاشق ولونه.. سيرة فقد.. كتاب مشرع بتفاصيل الجمال.. وهو عنوانٌ محببٌ للآلهة القدماء الذين يحتفظ الشاعر ببعض ملامحهم؛ تموز، أدونيس، بعل، أوزوريس... حيث تحافظ الإلهات العاشقات على طقوس النبش عنهم، لإعادتهم إلى الفضاء الفسيح كلما نزلوا إليه بشغف، أعني التراب، وذابوا فيه. التراب سِفر الشاعر وعنوانه الأزلي، مهما أخذته المدن ودارت به أو دار بها... التراب أنا ترابه، وهو شغفي وسيرتي وسكني..

استعذابك الموت؛ بكلّ دراميّته المرعبة في الحقول!.. ألا ترى ذلك يتسع لأكبر من عذاب القرية وناسها المحطمين؟!.. المعنى أنني ربّما أنشد موتاً شمولياً كونياً، أو على الأقل يتجاوز نبع العذاب الأول نحو!.. نحو اشتراكيّةٍ ما؛ مثلاً؟!
الموت أكثر ألفة مما نتصور، إنه قريب، ينهل من قلوبنا، يصيبنا بالحزن نعم، لكنه يحشرج أصواتنا ببكاء محبب. تجربتي مع الموت قديمة... إنها إدراكٌ فطري لأهمية الإله الكنعاني (موت) الذي يصنع مع بعل وعناة دورة الحياة في بلاد تقوم حياتها على الانتظار... انتظار الغيم.. المطر.. الحياة، فإذا ما تأخّر الماء السماويّ اشتاقت لبعل وخصبه، وإذا ما جاءها الغيم بماء غزير خشيت حضور (موت) في مواسم قادمة.. الموت الذي تراه قريباً في قصر عمر النوار في الربيع.. في انحسار تدفق الينابيع وغيابها مع اشتداد شمس آب، تلك الشمس نفسها التي تمنح العنب والتين بهجة الحياة.. هذا الكائن الإله الحاضر أبداً في التفاصيل أليف أليف.. كان لا بدّ من التعايش مع حضوره الدائم.. كان في قصيدة قديمة رمزاً لانحسار الانتصارات العربية عن مسار التاريخ، لكنني أدركت لاحقاً أنه أحد أضلاع المثلث القديم؛ بعل وعناة وموت، إنه المثلث الإلهي الذي يصنع دائرة الحياة على الأرض، والتي تنتهي لتعود من جديد...

هل اتجهت بك (الأكاديميا) إلى تعزيز الصورة وتكثيف المشهديّة؟!.. أسوةً بالدراسات الأكاديمية التي وقفتَ فيها على صورة (الذّئب) عند الشاعر العربيّ، مثلاً؟!.. هذا يدفعني إلى فراغ في نصوص شبابنا الذين لم تتح لهم دراسة النماذج؛ فاعتمدوا على أسراب من الصور تحطّ على غصن المعنى بصعوبةٍ؛ بل هي لا تحط؟!
دراسة القصيدة قراءة متمعّنة في دقائقها، ربما تساهم في وضوح البناء من زاوية أنّ معرفتك بتجارب الآخرين تعمّق تجربتك الخاصة، فالنصّ الأدبي كما تتجه أحدث النظريات النقدية ليس أكثر من إعادة صياغة نصوص سابقة، فلا جديد تحت الشمس، ولا يوجد نصّ طاهر بكر غير ممتزج بقراءات صاحبه وذاكرته الثقافية المشبعة بالمرجعيات. لا بد للشاعر في الأحوال كلها من أن يكون قارئاً متمعّنا في الحقول كلها، ابتداء من النصّ الشعري المنفتح على التاريخ والفلسفة وأسئلة الوجود الإشكالية الكبرى، وانتهاء بكتاب الطبيعة المفتوح.. ليس شرطاً أن يدرس أكاديميا، لكن عليه أن يتمعّن؛ يقرأ بعمق ووعي.

كأنك حذرٌ من الرمز!.. ألمح ذلك في مفاتيح لا تنقص من قوّة النص والإحساس بصاحبه!
لا شعر دون رمز، لكنني أعمد دائماً إلى مزج الغامض بالأليف، تاركاً تلك المفاتيح التي تتيح للقارئ الولوج إلى عالم النصّ. صحيح أنها مفاتيح لا يستطيع استعمالها إلا من أتقن الدخول إلى عالم القصيدة الحديثة، وامتلك وعياً بمفردات الحداثة، لكنها وسيلة لا يبذلها كثير من الشعراء للقارئ. ربما يعود ذلك إلى أن غابة الشعر تتميّز بالكثافة والتشابك والانعطافات المفاجئة، فلا بدّ من معالم أساسية تقود داخلها حتى لا يضيع تماماً، فيكسب لذة الاكتشاف دون أن يشعر بفقد البوصلة تماماً.

هل من ثيم جديدة وسط كلّ هذا الذي يجتره الشعراء؟!.. وأين نحن من النقد النقد؟!
سبق أن استشهدت بالقول المأثور «لا جديد تحت الشمس» وسبق للشاعر العربي القديم أن قال: «ما أرانا نقول إلا معارا....» وقد أكدت جوليا كريستيفا أن كل نص هو تناص، والنصوص الأخرى تتراءى فيه بمستويات متفاوتة، فكل نص ليس إلا نسيجاً جديداً من استشهادات سابقة.. وعلى الرغم من ذلك لا بدّ أن يتجاوز الشاعر الاجترار الذي يعني الاستسلام للمنجز الثابت إلى استخدام مادته في صياغة نسيج جديد غني وفريد على الرغم من اعتماده على النصّ السابق.. ولا تخلو الساحة الأدبية من النصوص المميزة، فعلى الرغم من غثاء كثير نجد نصوصا تتميز بالإبداع والنضوج. أما النقد فهو لاحق دائماً، لا يمكنه أن يرسم للإبداع ملامح الطريق، وحتى لو فعل فإن الشاعر قادر دائماً على تجاوز الحدود بل تحطيمها وفتح آفاق جديدة.