الانحسار



              

(1)



هل أتعبتكَ الخيلُ تدنو من صهيل الموتِ
هل جاوَزَتْ دربَ الصعود إلى شفير الانهيار
أم أسندتْ وجعَ السنين إلى هديل حمامةٍ
عطَفَتْ على قلبٍ تشبَّع بالتقاط المستحيل؟؟
كان الصعود هوىً فأصبحَ حاجةً
ما إن غدا لون التوهّج مُشْبَعًا بالأصفر السحريِّ
هل تذكر الكلماتُ رمح الروح يجتازُ الدروبَ
إلى أمامٍ ممكنٍ لا ينتهي...
هل كان يعلم أنّه في لُجَّة سحريّة
سوَّت بهِ رأسًا بلا عينين لا يدري متى
سقط الطريق إلى عماءٍ لا يبينُ، وأصفرٍ ملكَ الهواء؟؟



              





(2)


آهْ يا موتُ
           ما سرُّ الكمائن في خنادقك العصيّة؟!
           ما أسْكنَ الفجرَ الغباش، أطْرقَ لا يعود ولا يروح؟
إنّي أعيذكَ من تناول سحره
إنّي أريدكَ حضنَ روح أُرهقتْ بتجاوز الألوان نحو الصفرة الكليّة الأنسام
إنّي أدلّكَ... هل تبينُ روائحي..؟
هل ترتجي منها دواءً لانفصامك؟
هل تُسْمِعُ الكلماتِ ما قد غابَ من ينبوعكَ السِّحريّ؟
هل تَسْمَع الكلماتُ صوتَ الروح ترنو صوب أبعد من بعيدك..؟
إنّي أعيذُ الروح أن تسهو فلا تجتازَ خندقكَ الأليف
آه يا موتُ...
             هل ترتديني سلّما
             أم تبتغي منّي انحسارا..
             وِقْفَةً؟؟
كم آلَفُكْ
كم كنتَ في روحي رفيقًا.. إنَّ دربي تعرفُكْ
وتشدُّ من عمري حقائبَ لاجتياز دروبكَ الغبشيّةِ الأسرار..
ترتاحُ السنين على فؤادي.. تستردّ هواءها
وأعود من رحلاتك الهوجاء.. أعرف حكمتكْ
                                      وتبصُّرَكْ
                                      وتمنُّعَكْ
وأعرفُ أنّني مُذْ كنتُ في الدنيا أكون لأرقُبَكْ
وأعانق الأحباب في ظلّ اشتياقِكَ وانقباضكَ وامتدادك.
كم طال بي خيطُ التمنّي يا صديقُ، وكم حضنتُ تمنُّعَكْ
إنّي أزفُّك رحلةً في روحي العطشى لنور سوادكَ الأبديّ...
إنّي أريدك قاربي
هل تستردّ تواضُعَكْ
هذا الخريف يمدّني بمحبّتكْ
أطلِقْ يدكْ
وتناولِ الكلمات من روحي تمدّ شراعكَ الخفّاق فيها مُذْ تكون وتسمعُكْ.





(3)


يا رياحُ تشبّثي بالمسك ينأى كي يؤوبَ إلى الطريقِ...
يا حمامةُ أبعدي كفّيكِ عن روحي قليلا كي أفرَّ إلى جهات اللون في تشرينيَ الليليّ
إنّني في غيم تشرينَ الأليفِ
أقبلي نحوي.. أحبّكِ
عودي.. لا أريدُكِ في هوائِهْ...
يا ثعلبي الكونيّ يكفيك التأرجح في فؤادي
لن أفرّ إليك إلا والحمامة تُفْتَدى
أم لا يثيرُكَ وهجُ روحي..؟
يستوي الغيمُ المهاجرُ فيكَ مع غيم التأرجح فيَّ
يُسْويني هلالكَ أو رياحكَ أو هباؤكَ أو ظلامُك...
يا غيمَ تشريني
يا لونَ روحي
يا بابي المواربَ نحو أجنحة النهاية
إنّني أفدي حمامة مبتداي...
أنا والحمامةُ قد ركبنا نحو غيم الصفو في أيارَ.. غطّانا هواء الصّبح..
أنضجتنا شمسُه الذهبيّة الكلماتِ
أعطت روحنا ناي المحبّة، وارتحلنا عبر بحر لا يرومُكَ
مبتداه توهّج أزلي..
منتهاه.. لا حدٌّ لهُ

             


               





(4)


اذهب كما أهوى أو فَأتِني يا حارس النهر المقدّس في ارتحالي
يا ثوب روحي ردَّ لي حَدْسَ التمعُّن في عيون حمامتي
إنّي أشيلُ حمامة الكلمات في عينيكِ يا سكنَ العصافير الشريدة
إنّي أحبُّ مسافة اللاوعي في ظلّ اشتباكي فيكِ
مشتهاةٌ أنتِ.. لا أدري ألَوْنُكِ أنضجَ الألوان في روحي
أمِ ادّاريتِ في قلبي وشاغلتِ الهواء المحضَ أن يرنو إلى روحي العصيّة..
إنّي أحبّكِ يا سماء الروحِ والكلماتِ
يا نجمَ التأرجح في غنائي
إنّي أطير إليك مُذْ كان الحمامُ
مُذْ كنتِ كنتُ أوَ اَنّني
بعضٌ من الكلمات قد نُثِرَتْ لعينيك 
مذْ كنتُ آلفتُ الهباء المستحيلَ، وأتعبتني رحلة الميلاد فيكِ
لكنّ روحي استشرفَت سكنًا أليفا في عيونكِ
ردّي عليّ اللونَ فالأنواءُ تُعْييني
أنتِ الأمانُ المستحيل
أنتِ النسْمُ في نيسانيَ الجبليّ
أنتِ الفجرُ في فجري، وأنتِ حمامتي...
آه يا حمامةُ كم لقيتكِ قربَ ظِلِّي، وانتظرتكِ قبل ميلادي..
فَظَلِّي...